|
تأثير الثقافة الجنسية على العلاقة بين الرجل والمرأة
$ الثقافة الجنسية.. ما هي؟
لعل أول ما يتبادر إلى الأذهان ونحن نقرأ تعبير "الثقافة الجنسية"هو أن
هذه الثقافة تعني الإحاطة بعلوم الجنس وبالعلاقات الجنسية، ورفع الغطاء عن
الحياة الخاصة والعلاقات الحميمة بين الرجل والمرأة لتصبح مادة ثقافية
كغيرها من فروع المعرفة. ومع أن كل هذه المعاني ليست بعيدة عن المفهوم
الثقافي للجنس، إلا أن تعبير "الثقافة الجنسية" صار الآن - وعلى مستوى
العالم كله - مصطلحاً علمياً يعني وجوب تثقيف وتوعية الصغار والمراهقين
والمقبلين على الزواج، بل والمتزوجين أيضاً، بالأمور المتعلقة بالجنس،
تثقيفاً علمياً ونفسياً واجتماعياً، واعتبار هذه الثقافة - كغيرها من
مجالات المعرفة - حقاً مشروعاً للجميع.
$ وتهدف "الثقافة الجنسية" إلى:
(1) تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الجنس والعلاقات الجنسية، وتنظيف الأذهان
من المفاهيم الخاطئة، والعادات الموروثة، التي ترسّخت في الأذهان على مر
العصور، والتي شكلتها العقلية الذكورية دون التفات لحقوق المرأة وكيانها
الإنساني.
(2) حماية الناشئين من التزود بالمعارف الجنسية من طرق غير آمنة، ومن مصادر غير دقيقة.
(3) حماية الأسر القائمة، وأسر المستقبل، من تداعيات المفاهيم الخاطئة
التي تفسد العلاقات الزوجية، وتوتر العلاقات، وتهدد الاستقرار، بل وتقوّض
أركان البيوت بما قد يؤدي إلى الانفصال.
$ ضرورة الثقافة الجنسية!
1 - ضرورة الثقافة الجنسية للصغار
بينما يهتم الآباء والأمّهات بتربية أبنائهم وتعليمهم وتثقيفهم في شتى
المجالات العلمية والاجتماعية والرياضية والدينية وغيرها، فإنه من النادر
أن يتلقى الطفل أو الصبي أو الفتاة العربية أي قدر من الثقافة الجنسية.
ويرجع ذلك لأسباب كثيرة، ومعروفة لنا ومنها:
- أننا في الواقع لسنا مؤهلين أن نقدم لأطفالنا هذا النوع من الثقافة الذي
لم نتلقاه نحن أيضاً في طفولتنا. وغالباً ما نحس بالحرج حين يتطرق الحوار
مع أطفالنا إلى موضوعات الجنس. ويزداد الحرج حين يوجه لنا الأطفال
أسئلتهم المعهودة حول: كيف ومن أين أتيت؟ وقد يظهر علينا التوتر والارتباك
بصورة ملحوظة. وقد نخدع أطفالنا ونتهرب من الإجابة الصريحة، ونعود فنخجل من
أنفسنا ومن تهربنا.
- وحتى إذا كنا تلقينا من الثقافة الجنسية في صغرنا، فإن ما تلقيناه
بالأمس البعيد لم يعد صالحاً اليوم، فضلاً عن أنه قد مر على ذلك وقت طويل،
ولم نعد نتذكر ما قيل لنا تماماً. وحتى لو تذكرنا الكلمات التي قيلت فإننا
لن نتذكر الأسلوب الذي قيل به. والواقع أن ما نتذكره هو- فقط - ما علق
بأذهاننا مما قيل مختلطاً بقدراتنا وحاجتنا في ذلك الوقت.
- وهناك حقيقة أخرى هي أن ما يمكن ان يقال في هذا الشأن، يتوقف دائماً على
ما هو مباح في بيئة وثقافة كل عصر. ومعنى ذلك أن ما قيل لنا في طفولتنا قد
لا يصلح في طفولة أولادنا.
- من الواضح أيضاً أن مسألة التحريم أو التجريم أو السماح بالدخول في
الموضوعات الجنسية، أمر يختلف من بيئة لبيئة ومن بلد لبلد ومن ثقافة لأخرى.
- كما أن البيئة الثقافية التي يعيش فيها كل طفل، هي التي توحي له
بالأسئلة التي يوجهها لوالديه في الموضوعات الجنسية، فالصبي الذي يعيش في
الريف ويرى الممارسات الجنسية بين الحيوانات تختلف أسئلته عن غيره من أطفال
المدينة وعن مشاهدي الأفلام أو مستخدمي الكومبيوتر..إلخ.
- إن مصادر المعرفة الأولية (أو مصادر الإثارة الجنسية الأولى) والتي كانت
تحصرها كتب التربية القديمة في الأسباب الطبيعية: كتأمل الطفل في أعضائه
الجنسية وملاحظاته عن اختلافها عن طفل أصغر أو عن طفل من جنس آخر، لم تعد
محصورة في تلك المصادر الذاتية، بل أصبحت تأتيه الآن من خارج نفسه، بسبب
الزخم الإعلامي، والمشاهد الجنسية الأكثر انتشاراً، والتي تفتح فرصاً أوسع
لإثارة الفضول مما كانت عليه في زمن الأسلاف.
- واستكمالاً للنقطة السابقة، يجب أن نكون أكثر صراحة في مواجهة الواقع،
ونأخذ في الاعتبار أن المعروض على شاشات التليفزيون والفضائيات وأجهزة
الاستقبال الصغيرة، تعمل جميعها على استعجال إثارة الوعي الجنسي، ومن ثم
تدفع بالأسئلة إلى ألسنة الصغار، حيث لا تلقى منا الإجابات الصريحة أو
المقنعة.
-2 ضرورة الثقافة الجنسية للمراهقين
يدخل أغلب الأبناء مرحلة المراهقة الأولى بمعارف أولية غير واضحة تماماً
عن الجنس وعن العلاقات الجنسية. ويكون المراهق (أو المراهقة) قد أدرك من
خبراته السابقة ما سببته أسئلته البريئة من ارتباك لوالديه.
وربما أدرك أن الحديث مع أبويه عن هذه الأمور أمر غير مستحب، وغير مرحب
به. بل إن بعض المراهقين والمراهقات قد يزعجهم ما سبق أن لاحظوه من ردود
الأفعال المضطربة التي أظهرها الوالدان حينما ناقشوا مهعم شيئاً عن الجنس
في طفولتهم المبكرة، حتى أنهم (أي الأبناء) يحسون بالإثم، ويتصورون أنهم
بتساؤلهم عن هذه الأمور قد فعلوا شئياً خاطئاً مشيناً بدليل اضطراب الآباء.
وتترتب على هذه الأحاسيس عدة نتائج منها:
- أن لا يعود الصغار إلى مناقشة أو سؤال الوالدين.
- أنهم يلجأون إلى أصدقائهم الأكبر سناً (من المراهقين) للتزود بالمعارف المشوشة والمثيرة.
- ومع إحساسهم بدخولهم السري في عالم الإثارة بعيداً عن رقابة الوالدين يزداد إحساسهم بالذنب، وتتزايد احتمالات الخطأ.
- وحين يدخل الأبناء في مراحل المراهقة المتقدمة، يكونوا قد اعتادوا على تداول الخبرات الهامسة - ذات الطابع السري - مع نظرائهم.
وقد تبدأ مراحل التجريب والاستكشاف والمغامرات السرية، المدفوعة بالأحاسيس
الغريزية، والتي تشكل توجهاتهم الجنسية الأولى، والتي تؤثر على مفاهيمهم
العاطفية، وتلقي بظلالها على زواجهم وعلاقاتهم الأسرية في المستقبل.
3 - ضرورة الثقافة الجنسية للمقبلين على الزواج وللمتزوجين.
ليس مألوفاً في ثقافتنا العربية أن يلجأ المقبلون على الزواج إلى مراكز
المشورة لتلقي الثقافة الجنسية. فالعربي الشرقي يحسب أن ذلك ينتقص من
رجولته، فالمفروض حسب مفاهيم المجتمع المحيط أنه صار خبيراً في أمور
الجنس، وأنه "داير ولافف ومقطّع السمكة وديلها - كما يقولون "، وفي
الغالب لا يكون ذلك صحيحاً ، ويكون كل ما يعرفه هو الجانب البيولوجي
والفسيولوجي للجنس، والذي يحسبه كل شيء.
أما الفتاة فليس من المألوف في مجتمعنا أن تسعى للمعرفة الجنسية، فذلك
يتنافى مع الحياء، ويطالبها المجتمع أن تكون كالقطة العمياء حتى ترتفع
أسهمها في عين الشبان، وحتى لا ينصرفون عنها باعتبارها "متحررة .. قليلة
الحياء.
وبسبب هذه الثقافة الجنسية الضحلة، كثيراً ما تتم الزيجات، وتتشكل البيوت
من أفراد غير مؤهلين للحياة المشتركة، وغير مثقفين جنسياً بالمفهوم العلمي
للثقافة الجنسية، التي تشمل كل الجوانب العاطفية والنفسية والاجتماعية
والحسّية، وتدرك حقوق وواجبات ومسئولية الطرفين في دعم وإنجاح علاقتهما
المشتركة.
وما يحدث بعد ذلك هو أن كل من الطرفين يواجه الآخر بمخزونه من الأفكار
المتشككة والممارسات المغلوطة، ولا يسترشدان بغير أفكارهما المسبقة
وثقافاتهما المحدودة وموروثاتهما المجتمعية بكل ما فيها من سلبيات وتشويش،
الأمر الذي يصيب الطرفين بخيبة الأمل، فيكثر الخلاف وتزيد الشكوى وتحتد
المناقشات، وتتباعد الأجساد والأرواح، ويتنامى الندم، وغير ذلك من الأمور
التي تقوّض العلاقات وتهدم البيوت، أو على الأقل - تهدم أركان السعادة في
البيت المشترك.
$ المخدوعـون في ثقافتهم الجنسية.
لعل أحد أهم أسباب المآسي في الحياة الزوجية هو أن الأزواج لا يعترفون بجهلهم الجنسي.
ويظن بعض الرجال أنهم خبراء في شئون الجنس مستندين إلى قدرتهم البيولوجية
على ممارسة الجنس، أو على خبراتهم الطويلة في الممارسة الشرعية وغير
الشرعية. ويعتقد بعض الرجال بغزارة معارفهم الجنسية استناداً إلى ما جمعوه
من الكتب الصفراء أو من المواد البورنوجرافية التي يشاهدونها في محلات
وفضائيات الجنس.
ويعتقد أغلب الناس أن الثقافة الجنسية هي تعُلم آليات الممارسة التي يعرفونها.
ومن هذه المنطلقات يظن الكثيرون أنهم لا يحتاجون للثقافة الجنسية. والمؤسف
أن أغلب هؤلاء الرجال يكونون في الحقيقة أقل الناس وأبعدهم عن المفهوم
الصحيح للثقافة الجنسية. ولا يدرك أصحاب هذه العقول أنهم مخدوعون إلاحينما
يتعثرون في حياتهم الزوجية، وتظهر أعراض الفشل، فيدركون عدم جدوى ثقافتهم
المزعومة.
$ تداعـيات إهمال الثقافة الجـنسية
يؤدي الجهل بالثقافة الجنسية - كما في أي ثقافة أخرى - إلى السقوط في
أخطاء كثيرة، قد يكون بعضها مدمراً. فالذين لا يملكون- مثلاً- ثقافة صحية،
يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض أكثر من غيرهم. وبسبب ضعف ثقافتهم
الصحية يهملون العلاج فتسوء حالتهم، وقد يستخدمون علاجاً شعبياً ينصح به
غير المتخصصين فيصابون بأمراض أشد حدة وخطراً.
وكذلك الحال فيمن لا يملكون الثقافة الفنية، فإنهم لا يستمتعون بالجمال -
لا في الطبيعة ولا في اللوحة والتمثال. والذين لا يملكون الثقافة الأدبية
لا يتذوقون الشعر والقصة والرواية والمسرحية وغيرها من مجالات الأبداع.
والذين لا يملكون الثقافة العلمية تخدعهم الظواهر ويصدقون الأكاذيب
والخرافات والدجل. غير أن الأخطاء الناتجة عن إهمال الثقافة الجنسية تكون
أعمق أثراً من غيرها لارتباطها بالعلاقات الحميمة في التشكيل الأسري.
فالجهل بالثقافة الجنسية لا يؤذي صاحبه فحسب، ولا يهدمه كفرد، لكنه يهدم
الأسرة، ويحطم البيت بجميع أفراده: الزوجة والأبناء، والأحفاد. وما نقرأه
ونسمعه من قصص الخصام والهجر والتقاضي والطلاق يعود أغلبه إلى عدم التوافق
الجنسي نتيجة لانعدام الثقافة الجنسية، مما يسبب النفور والتباعد، ويوقظ
الملل، الذي يقوم بدوره بافتعال أسباب واهية- وغير حقيقية- لنقض العهد بين
الزوجين.
ويحدثنا في ذلك طبيب مهتم بشأن الثقافة الجنسية، فيقول: "إنني كطبيب أواجه
يومياً في مركز الاستشارات النفسية والأسرية العديد من الحالات:
- مراهقون أوقعهم جهلهم في الخطأ وأحياناً الخطيئة.
- وأزواج يشكون من توتر العلاقة، أو العجز عن القيام بعلاقة كاملة، أو غير قادرين على إسعاد زوجاتهم.
- وزوجات لا يملكن شجاعة البوح بمعاناتهن من عدم الإشباع لأن الزوج لا
يعرف كيف يحققها لهن، وغالباً لا يبالي" ويضيف الطبيب قائلاً: ويزداد الأمر
سوءاً حينما يظل أمر هذه المعاناة سراً بين الزوجين، فتتلاقى أعينهما
حائرة، متسائلة، ولكن الزوجة لا تجرؤ على السؤال، فلا يصح من إمرأة محترمة
أن تسأل و إلا عكس هذا أن عندها رغبة في هذا الأمر (وكأن المفروض أن تكون
خُلقت دون هذه الرغبة). والزوج - أيضاً - لا يجرؤ على طلب المساعدة من
زوجته، أليس رجلاً ويجب أن يعرف كل شيء؟! وهكذا ندخل الدوامة، الزوج يسأل
أصدقاءه سراً؛ وتظهر الوصفات العجيبة والاقتراحات الغريبة والنصائح
المشينة، حتى يصل الأمر للاستعانة بالعفاريت والجانّ، لكي يفكّوا المربوط"
ويرفعوا المشكلة.
وعادة ما تسكت الزوجة طاوية جناحيها على آلامها، حتى تتخلص من لوم وتجريح
الزوج، وقد تستمر المشكلة شهوراً طويلة، ولا أحد يجرؤ أن يتحدث مع المختص
أو يستشير طبيباً نفسياً، بل قد يصل الأمر للطلاق من أجل مشكلة ربما لا
يستغرق حلها نصف ساعة مع أهل الخبرة والمعرفة".
ورغم هذه الصورة المأساوية فإنها أهون كثيراً من الاحتمال الثاني، وهو أن
تبدو الأمور وكأنها تسير على ما يرام، بينما تظل النار مشتعلة تحت السطح،
فلا الرجل ولا المرأة يحصلون على ما يريدون أو يتمنون، وتسير الحياة.
وربما يأتي الأطفال، فيبدو لكل الناس أن الأمور مستتبة وأن العلاقات الزوجية على ما يرام - وإلا فكيف جاء الأطفال؟!
وفجأة تشتعل النيران ويتهدم البيت الذي كان يبدو راسخاً مستقراً، ونفاجأ
بدعاوى الطلاق والانفصال إثر مشادة غاضبة أو موقف عاصف، يسوقه الطرفان
لإقناع الناس بأسباب قوية للطلاق، ولكنها في الواقع غير السبب الذي يعلم
الزوجان أنه السبب الحقيقي، ولكنّ كلاً منهما يخفيه داخل نفسه، ولا يُحدّث
به أحداً حتى نفسه، فإذا بادرته بالسؤال عن شكل العلاقة الجنسية وأثرها في
طلب الطلاق - يرتبك، وينظر إليك مبدياً دهشة مصطنعة، ثم يسرع بإجابة كاذبة
يقول فيها إن هذا الأمر لا يمثل أي مساحة في تفكيره. وبينما يقول ذلك تراه
يفتش في نفسه ويسترجع كلماته وتصرفاته ليرى كيف عرف الطبيب ذلك، وما هي
اللفتة أو الزلة التي وشت به وبدخيلة نفسه.
$ ثلاثة أعراض خطيرة للجهل بالثقافة الجنسية
للثقافة الجنسية الصحيحة كثير من المؤثرات الإيجابية في حياة الرجل
والمرأة. وعلى العكس من ذلك فإن الجهل أو إهمال الثقافة الجنسية يتسبب في
كثير من المآسي في الحياة الزوجية.
ونود في هذه الفقرة أن نلفت الأنظار إلى بعض أعراض وملامح وسمات الجهل بالثقافة الجنسية.
(1) طغيان الشهوة الجنسية.
الغريزة الجنسية - غريزة قوية، جعلها الله في مخلوقاته الحية لتساعدها على
الإلفة والتقارب وديمومة الحياة، ولا شك أنها إحدى بركات الله ونعمه. غير
أن هذا الميل الغريزي للعلاقة الجنسية يتميز في حياة البشر بضرورة
الانضباط، ومن أجل ذلك وُضعت الشرائع الدينية والقوانين الوضعية، إلى جانب
مجموعة القيم والأعراف المجتمعية التي تضبط الشطط الجنسي وتضعه في مساره
الصحيح.
غير أن البعض يعانون من طغيان الشهوة الجنسية، ولديهم ما يسمى بـ
"الغُلمة" أو "الشبق الجنسي". وتتمثل هذه الغلمة في الرغبة الشديدة
والجامحة والمُلحة لممارسة الجنس. وقد يحدث اللقاء بين الزوجين، ويتم
اللقاء من الناحية الشكلية ويفتر الشبق قليلاً بعد هذا اللقاء، ولكن الجوع
الجنسي يبقى كما هو، بل يزداد الزوجان أو أحدهما تطلعاً إلى إشباع من نوع
آخر- غير مجرد الإفراغ الجنسي العابر. ويدل هذا على أن الشبق الجنسي ليس
جوعاً عضوياً كالجوع إلى الطعام، بل هو حالة من النهم للجنس في ذاته. وهذا
النهم قد يكون طبيعياً عند بعض الأشخاص المأسورين بقيود الجنس، لكن من
المؤكد أن البعض يغذون عقولهم طول الوقت بالأفكار الجنسية التي تجعلهم في
حالة رغبة جنسية دائمة (غُلمة) وليس مجرد احتياج غريزي طبيعي.
والذين لا يملكون الثقافة الجنسية الصحيحة، غالباً ما يستقون ثقافتهم
الجنسية من مواقع الإثارة التي تنبههم تنبيهاً جنسياً طاغياً يؤدي للجنون
الشبقي الذي لا يشبع من ممارسة الجنس. فالمعروف أن الغُلمة أو السوداء لدى
الرجال والنساء تأتي من التنبيه الجنسي الشديد، أو الانغماس في الخيالات
الجنسية، وملاحقة المغريات الجنسية كالمناظر الخليعة، والصور، ومطالعة
الكتب المثيرة للشهوة.
غير أنه - وفي حالات قليلة- تلعب عوامل الوراثة دوراً هاماً في الغُلمة
الجنسية، وكذلك زيادة إفراز هرمون الخصية - التستسرون - أو هرمون المبيض -
الأسترون - وكذلك الفراغ، وقد يكون سبب الغُلمة زيادة طاقة غريزة السيطرة
والاعتداد بالنفس مع زيادة طاقة الغريزة الجنسية، وجميعا تجد حلولاً
وعلاجاً في الثقافة الجنسية.
إن الثقافة الجنسية الصحيحة تعالج جميع التوجهات الجامحة، وتمنع أسبابها،
وتوجه أصحابها إلى الأنشطة والأدوية والأطعمة المناسبة للتحرر من سيطرة
الجنس.
(2) تقديس حق الزوج وإنكار حق الزوجة.
جاء في موقع "مدونات مكتوب" بتاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) 2008، ما يلي:
"يتوقف نجاح العملية الجنسية في ذهن الرجل الشرقي على مدى إرضاء زوجته له
في السرير، ومدى استجابتها لطلباته ونزواته، ومجاراتها له في إرواء هذه
النزوات وتنفيذها على أتم وجه.
وبأقصى متعة ممكنة يحب أن يحصل هو عليها، لكن هل تساءل الرجل عموماً، عن
حق زوجته في أن يرضي رغباتها في الفراش؟! إن الصورة الرائجة للمتعة
الجنسية في أذهان الكثيرين، أنها متعة للرجل بالدرجة الأولى، وأن الرجل هو
الذي يحدد مسارها، ويحصد ثمارها، ويتحكم بدرجة حرارتها، ويزيد من حيويتها
أو شبقها حسب رغبته هو، وأن متعة المرأة تأتي كتحصيل حاصل، لأنها شريكة له
في الفعل الجنسي.. ولا ينبغي التفكير بها على الإطلاق، لأنها قضية ثانوية
على هامش إمتاع الرجل وإرضائه في الفراش. هذه الصورة كثيراً ما تجعل الرجل
يتخيل أموراً تبدو من البديهيات له في الفعل الجنسي..
ومن هذه البديهيات أن على المرأة أن تنال رضا زوجها في الفراش دون أي شيء آخر، عليها أن تكون ملك يديه، وتفعل ما يمليه عليها."
ولاشك أن هذه النظرة وليدة الجهل بالثقافة الجنسية الصحيحة. فالثقافة
الشعبية السائدة تعتقد أن المرأة قد جُعلت من أجل إمتاع الرجل جنسياً
وقتما شاء، وليس للمرأة حقوق مماثلة، بل إنه من العار أن تتفكر المرأة في
حقوق جنسية لأن ذلك يتعارض مع الحياء والعفة والشرف. فإذا نظرنا إلى الفعل
الجنسي- باعتباره فعلاً يتشارك به الزوجان، نرى بوضوح أن إنكار حق الزوجة
أبعد ما يكون عما يجب أن تكون عليه العلاقة الحميمة، فإذا كان إرضاء المرأة
لزوجها في الفراش واجباً متفقاً عليه، فإن إرضاء الرجل لزوجته جنسياً واجب
ينبغي الاعتراف به أيضاً.
(3) تأثيم الفعل الجنسي.
أما العرض الثالث لضحالة الثقافة الجنسية فيتمثل في ثقافة "تأثيم الجنس"،
وهي ثقافة تراثية متوارثة من عصور قديمة. وفكرة تأثيم الجنس تتوارد
"أحياناً" في ذهن الرجل المتدين نتيجة بعض الموروثات الدينية، وتناقل أقوال
بعض النساك والرهبان- الزاهدين في الحياة وفي الجنس. لكن هذه الفكرة
ذاتها، فكرة تأثيم الجنس "تسكن بعمق" في وجدان المرأة، وبخاصة المرأة
المتدينة التي تلقت منذ طفولتها تحذيرات وتهديدات وتخويفات متتالية من هذا
الشيء الذي يدعى الفعل الجنسي. ونما في وجدان الفتاة الشرقية أن مجرد
التفكير فيه هو المحظور الأكبر، أما ممارسته فهي العار والموت. لذلك فعندما
تتزوج الفتاة وتمارس الجنس في إطاره الصحي والشرعي، لا تستطيع أن تتخلص
فجأة من أحاسيس الخوف والذنب ولوم الذات.
وتحكي لنا الدكتورة نوال السعداوي في كتابها "الرجل والجنس" قصة هذه
الثقافة الموروثة، فتقول: "تحدثنا الكتب المقدسة عن قصة إغراء الحية لحواء
لتأكل من الشجرة المحرمة، ثم تبع ذلك إغواء حواء لآدم. وللقصة معناها
ومغزاها ودلالاتها الإبداعية ومضمونها الروحي. غير أن البعض تجاهلوا
المعاني العميقة وراء هذا الموقف، واختصروا القضية كلها في فكرة واحدة تقوم
على أن هذه الثمرة المحرمة هي الشهوة الجنسية بين آدم وحواء، وهي العلاقة
المحرمة التي أوحت بها الحية (الشيطان) لحواء لتتنجس، وتقود آدم إلى هذه
النجاسة المزعومة".
وكان لانتشار هذه الفكرة تداعيات كثيرة جداً منها:
(1) أن الجنس إثم وخطيئة وعُري وفضيحة ونجاسة.
(2) أن حواء هي سر هذا البلاء العظيم، وهي وراء الكوارث والآلام - بل والموت أيضاً.
(3) أنه لا ينبغي أن يقع الرجل ثانية تحت تأثير حواء وإغرائها حتى لا يخالف الله.
(4) وعليه - يجب أن يحكم الرجل المرأة ويسودها ويسيطر عليها حتى لا يغرق العالم في الفساد.
ولعل هذه الأفكار التراثية قد انطبعت في وجدان كل أنثى، وازدادت ترسخاً
على مر العصور، فالناس يتناقلون اتهاماتهم لحواء جيلاً بعد جيل، حتى صار
راسخاً في أعراف الناس أن المرأة بإغراءاتها الجنسية هي سر البلاء ومنحدر
السقوط، وهي دائماً وراء عثرات الرجل الطيب البريء النقي.
وعندما نعود إلى وصية الله للإنسان بأن يثمر ويكثر ويملأ الأرض، ندرك أن
الاتصال الجنسي بين آدم وحواء كان هو الوسيلة (الآلية المعتمدة) لتحقيق غرض
الله في عمران الأرض. ونعجب (على حد قول الدكتورة ن. السعداوي) كيف رسخ في
الأذهان أن هذا الفعل الجنسي نوع من الإثم، وبخاصة في حق حواء.
ومن فرط هذا التأثيم، تحس المرأة بالذنب وهي تمارس علاقتها الطبيعية
بزوجها، وهي لا تكاد تجد له مبرراً في عيون الآخرين سوى أنه فعل بغرض
الإنجاب.
- فالإنجاب حلال والمتعة حرام!
- الإنجاب عمل مشروع ومقبول، أما الجنس فأمر مخجل وغير لائق يحاط بالكتمان!
- الولادة مقدسة لكن الجنس دنس!
وبسبب هذه النزعة الغالبة لتأثيم الجنس، ولدور المرأة الأصيل في ذلك،
تحولت كثير من الأفكار عن احترام المرأة واحترام جسدها إلى تأثيم الجسد
الأنثوي وتحقيره، وبالطبع تأثيم العلاقة بصاحبة هذا الجسد الآثم، وأوجبت
عند بعض المفكرين - في عصور وثقافات مختلفة - ضرورة الهروب من المرأة
والابتعاد عنها، حتى يكون الإنسان "مقدساً".
هذه الأعراض المرضية في الحياة الأسرية تطل علينا من كثير من بيوتنا،
وتنذر بعواقب أليمة. وما نحتاجه اليوم أن تسعى مؤسساتنا الثقافية والتنموية
والإعلامية إلى بث الثقافة الجنسية الصحيحة في عقول الصغار والمراهقين
والمقبلين على الزواج، بل وإلى المتزوجين القدامى، فقد يؤدي ذلك إلى بيوت
مستقرة وحقوق مصانة.
كلمة ختام
في أحد المواقع التي ناقشت هذه القضية، يتساءل الكاتب الفاضل قائلاً: "هل
بالغنا في الحديث عن مؤثرات الثقافة الجنسية؟ هل أعطينا الأمر أكثر مما
يستحق؟ هل تصورنا أن الناس لا هم لهم إلا الجنس وإشباع هذه الرغبة، أم إن
هناك فعلاً مشكلة عميقة تتوارى خلف أستار من الخجل والجهل، ولكنها تطل
علينا كل حين بوجه قبيح من الكوارث الأسرية؟!"
وقد لا تكون يدك يا عزيزي القارئ في النار، فيتوارد هذا التساؤل أيضاً على
ذهنك: "هل نحن نبالغ؟". ولكنك ستعود وتقدّر حجم المشكلة بصورة أوضح كلما
تأملت فيم يتعرض له أبناؤنا وبناتنا من اضطراب، وما تتعرض له بيوتنا
ومجتمعنا من أخطار بسبب ضعف الثقافة الجنسية.