أسعار العملات وفقا لوكالة سانا
|
وقف العمليات العسكرية: حل جزئي أم متكامل ؟
صفحة 1 من اصل 1
27102012
وقف العمليات العسكرية: حل جزئي أم متكامل ؟
هذا سؤال مهم، ولا سيما في وقت يزور فيه الإبراهيمي سورية، في إطار جولته
الإقليمية ضمن مهمته المعروفة، لكن من يملك الإجابة عنه، ومن هو صاحب
القرار في الانتقال من وقف العمليات العسكرية الى الحل السياسي؟
ليست المسألة سهلة، وصعوبتها تكمن في تشعّب جوانبها، وفي كونها تأتي في
سياق أزمة عالمية تقترن بهدف تغيير جيوسياسي إقليمي مدمّر يجمع بين نظريتي
"الفوضى الخلاقة" عند الجمهوريين، "والقوة الذكية" عند الديمقراطيين. تغيير
حداثوي يعتمد على المجرمين وأصحاب السوابق والمرتزقة لضرب الجيوش النظامية
والوطنية عن طريق التمويل والمقاتلين الأجانب وصراع الهويات على نحو ما
جرى في كوسوفو ورواندا...، وما يخطط له في سورية.
فإذا ما نجح هذا المخطط وهذا الأسلوب فيها فسيكون نجاحه أسهل في بقية
البلدان العربية والإسلامية، وسيكون ذلك كارثة. لذلك من واجب كافة القوى
الحية في المنطقة والعالم - ومنها الإبراهيمي طبعاً - أن تقف مع سورية وهي
تواجه هذا الأسلوب الجديد.
فالمسألة إذاً، أو الأزمة في سورية تجسّد ما يعرف اليوم "بالحروب
الجديدة": حروب المواجهة بين الدولة الوطنية والقوى الإقصائية، هذه الحروب
التي يدعمها المحافظون الجدد، وقطر، وفرنسا برنار هنري ليفي، وتنطلق من:
نشر الخوف والكراهية، والفرز السكاني، والقتل على الهوية، واستراتيجية
افتعال النزاع، وإطالة أمده اعتماداً على نخب مرتزقة تتاجر بالهوية للوصول
الى "الحكم فقط"، ولتدمير الدولة الوطنية. هذه الدولة التي تعدّ سورية أسطع
مثال عليها، فمن الواضح أنها دولة أمن وطني وقومي، ولطالما ازداد
استهدافها طرداً مع طابعها التدخلي المقاوم والممانع، ومع معارضتها للمشروع
الصهيوني الأطلسي في المنطقة.
ومن الواضح أيضاً أن القيادة السياسية بادرت منذ أول يوم في الأزمة الى حل
سياسي تنتفي معه الحاجة الى حل أمني، فاعترفت بأخطاء، وطرحت مشروع الإصلاح
الوطني الديمقراطي الشامل وفق جدول زمني محدد، وبدأت في إنجازه، وتحقق منه
ما تحقق. لكن النتائج كانت عكسية عند الأطراف الأخرى التي تاجرت بشعارات
الحرية والسلمية، وهذا ما جعل طرح نظرية المؤامرة مقبولاً شعبياً وإقليمياً
ودولياً، ولا سيما حين استعرّت الأحداث أولاً في المناطق الحدودية، وأسفرت
العواصم الثلاث المعروفة مباشرة عن تحولات مفاجئة، وعن وجهها الحقيقي
المفضوح في المتاجرة بالدم السوري، من خلال الدعم بالمال والسلاح
والإرهابيين.
وبالمقابل فلا شك في أن العصابات المسلّحة لم تستطع التعامل إيجابياً مع
هذا النزوع الإصلاحي، فاستعارت لقب الثورة، وادّعته باطلاً وزيفاً
وتزويراً. لأنها لم تكن تملك من أمرها شيئاً إلا تنفيذ المخطط الرجعي
الأطلسي، ولأنها لا تملك رؤية معرفية واضحة، ولا نظرية تنويرية أو ثورية.
ومع مهمة الإبراهيمي التي تأمل سورية منها خيراً، وتعمل قيادتها على
نجاحها ونجاح أي مبادرة تهدف الى وقف نزيف الدم والانتقال الى حل سياسي
يقوم على الحوار بعد وقف الأعمال الإرهابية، مع هذا يتصاعد دعم العنف من
خلال المواقف التي أسفرت عنها بالأمس فرنسا والإدارة الأمريكية بمرشحَيها
للرئاسة. وذلك لتقويض هذه المهمة، وجعلها تترنح بين منظور أخلاقي أولاً في
زمن تغيب فيه الأخلاق عن السياسة الإقليمية والدولية، ومنظور سياسي ثانياً
يتلاعب فيه التحالف الأطلسي الرجعي العربي، والمجموعات المسلحة العصيّة على
التصنيف نظراً لتشعّب مكوناتها وعناصرها وأهدافها، تشعّباً لا ينجح معه
الحوار الوطني، ولا الحل السياسي.
في هذا الوقت أبدت سورية عدداً من الإجراءات المساعدة على نجاح مهمة
الإبراهيمي، وكان من أهمها مرسوم العفو الذي صدر بمرسوم رئاسي بالأمس،
والذي يؤكد رغبة الدولة في وقف العمليات العسكرية، والانتقال من حل جزئي
للأزمة الى حل متكامل وكامل تعود معه البلاد الى سابق عهدها من حيث التمتع
بالاستقرار الداخلي، والوحدة الوطنية، والعيش المشترك، وإلى دورها الرائد
في تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي، ودعم المشروع الوطني والقومي العربي
في مواجهة المشروع الصهيوني الغربي.
لكن السؤال يتجه الى هؤلاء الذين سيعملون كعادتهم على تبديد هذه الإجراءات
الوطنية، وعلى تقويض مهمة الإبراهيمي، من خلال استغلال طرح وقف العمليات
العسكرية، بطروحات أخرى، وبمدلولاتها الميدانية والسياسية المخاتلة:
كالهدنة، أو وقف النار، أو القرار المنفرد...
إن مرسوم العفو، وطرح وقف العمليات العسكرية، يأتيان في سياق عمل القيادة
السياسية على حل وطني وأخلاقي وسياسي للأزمة يرأب الصدع الاجتماعي
والاقتصادي والسياسي، ويوقف نزيف الدم أولاً، ويعطي فرصة للمغرّر بهم
ليلقوا سلاح الإجرام والإرهاب ثانياً وهي فرصة أيضاً للدول المؤيدة للإرهاب
في أن تتوقف عن دعم العصابات بالمال والسلاح والمقاتلين الأجانب الذين
عليهم أن يعودوا الى الدول والمواقع التي أوفدوا منها ثالثاً. ويجب ألّا
تكون فرصة لتدفق السلاح والمال والأجانب رابعاً.
إذن من الواضح أن سورية تقدم ضمانات لنجاح مهمة الإبراهيمي، ويجب أن يقابل
هذا بضمانات تقدمها الأطراف والدول الأخرى، وهذا للأسف ما لا يبدو في
الأفق، فإذا ما تم تبديد هذه الفرصة، والتي لا تستسيغها أطياف واسعة من
القوى الوطنية لإيمانها بضرورة الحسم، فإن سورية بتلاحم شعبها وجيشها
وقيادتها السياسية تملك خيارات أقوى وأكثر جدوى.
المصدر صحيفة البعث بقلم: د. عبد اللطيف عمران
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى